رفيطال ريكلين - اغما
حالة الطقس التي سادت في أواخر العام 2023 وجلبت معها منخفض جوي وأمطار غزيرة في منطقة الجليل الأسفل خلال وقت قصير، حيث تسجل أرقامًا قياسية جديدة من كميات الامطار وأثر بشكل كبير على جريان المياه في المنطقة (تقرير تلخيصي 21-24.12 ). وقد أفادت الأخبار باغلاق شوارع بسبب فياضانات من وادي يفتحئيل واودية اخرى في المنطقة. ان هذا المنخفض الجوي غير العادي هو جزء من فصل الشتاء الذي بدأ متأخرًا، لكنه يجلب معه الكثير من الأمطار في شمال ووسط البلاد حتى الآن. وبحسب قياسات مصلحة الأرصاد الجوية، فقد تم قياس في المحطات الأقرب للوادي (الناصرة، نيفي ياعر وياجور) منذ بداية موسم الشتاء ما بين 694 و849 ملم من الأمطار، أي أكثر من 115% من المعدل السنوي. متوسطة، وحوالي 150% من متوسط الفترة المقابلة (قياسات تصل إلى 20.2.24)هطلت أمطار غزيرة، سقط معظمها في منخفضات جوية قصيرة وقوية.
تسببت المنخفضات الجوية هذه بفيضان في اودية حوض وادي الملك، الذي فاض على ضفتيه وأغرق مساحات كبيرة من حوله، بالإضافة إلى الكثير من الجريان السطحي الذي كان يتدفق في المناطق المفتوحة. وشهد كبار السن في المنطقة انهم لا يتذكرون بأن الوادي وصل إلى هذه الكميات والارتفاعات كما كان الحال خلال الأيام العاصفة والمنخفض الجوي الذي كان في شهر كانون اول ديسمبير. حيث كانت صور جريان المياه بشكر كبير في الوادي مؤثرة للغاية وقد انتشرت العديد من الصور ومقاطع الفيديو الجميلة للوادي الذي وصل الى قمه مجده خلال هذه الفترة (كانت من بين هذه الصور والفيديوهات تدريب لقوارب التجديف أسفل الوادي). ومع ذلك، فإن الكميات الكبيرة من المياه في مثل هذا الفترة القصيرة كانت بمثابة تذكير هام بالقوة المذهلة للتيار والطبيعة، والتي تخلق أيضًا العديد من التحديات التي يجب مواجهتها إلى جانب الضرر المحتمل للمواطنين وخاصة سكان المنطقة.
من المتوقع أن تتفاقم أحداث الطقس المتطرف والعواصف القوية والمنخفضات الجوية من حيث الشدة والتكرار مع تطور وتفاقم الأزمة المناخية والبيئية، ووفقًا لتقرير صادر عن هيئة الأرصاد الجوية من الممكن اليوم وبشكل فعلي رؤية اتجاه لزيادة كمية الامطار والأعاصير والعواصف الثقيلة التي تأتي بكميات امطار كبيرة وقياسية في شمال وغير اسرائيل. وفي ضوء هذه المعطيات، يبرز تفكير آخر حول تبعيات وعواقب وآثار أحداث الفيضانات غير العادية على طول وادي الملك وسبل التعامل مع الموضوع.
أحد الحلول التي تم تنفيذها مؤخرًا في وادي الملك للتعامل مع أضرار الفيضانات هو إنشاء سهل فيضاني في منطقة أسفل مجرى الوادي كجزء من “مشروع مارلين” الذي تحدثنا عنه سابقًا. في هذا الإطار، يتم استصلاح وإعادة تأهيل امتداد مجرى الوادي (بين بلدتي الخوالد وريخاسيم)، وإعادة مسار الوادي إلى المسار الذي كان على ما يبدو هو المسار التاريخي، وتم حفر وتصميم سهلان للفيضان. سهول الفيضان وتنظيم تدفقات مجرى الوادي قبل اتصاله بنهر الكيشون {المقطع} يؤخر المياه ويمنع فيضانات على المناطق الزراعية (للتدفقات المعتدلة).
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى ان مخطط تاما 75 (“بوابة الخليج”) التي يتم الترويج لها في حوض الملك هذه الأيام – وهو مخطط واسع النطاق لبناء وتجديد خليج حيفا والتي تتطلب حلولاً مهمة لحماية التطوير الذي يتم التخطيط له من الفيضانات، ولهذا الغرض يتم تطوير مخطط (تاما) 75 ن”ن) الذي يقوم بإيجاد حلول من هذا القبيل في اعلى حوض وادي الملك والقنوات المائية المتصلة به.
بالرغم من أن وادي املك لم يُنظر إليه بعد على أنه رافد مهم جدًا لنهر الكيشون {المقطع} من حيث التصريف والتأثير على خطر الفيضانات في خليج حيفا، من المحتمل أن اتجاه تكثيف الأحداث المطرية في المنطقة سيتطلب إعادة التفكير في هذه الافتراضات.
منطقة أخرى يتم فيها اتخاذ الإجراءات للتعامل مع الفيضانات هي منطقة أعلى الوادي. حيث تعتبر منطقة قرية الرينة ومدينة الناصرة وهي مدينة كبيرة ومكتظة للغاية، ولا يوجد بها أي مناطق تقريبًا للترشيح والاحتفاظ بالجريان السطحي. ونتيجة لذلك، تتزايد كمية الجريان السطحي مما يسبب معاناة للسكان بشكل كبير من الفيضانات. (الحي الغربي في قرية الرينة)، اذ يتم التخطيط لإقامة أحياء إضافية والتي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم مشكلة الجريان السطحي وزيادة حجمها. وقد تم تنفيذ أحد الحلول في الحرش الموجود في أعالي قرية الرينة وتحدثنا عنه في السابق بشكل موسع في هذا مقال. حل آخر يتم التخطيط له هذه الأيام هو استصلاح منطقة اسفل الوادي بمنطقة الرينة، والذي يتضمن توسيع الشريط وإنشاء منطقة عامة مفتوحة بعرض 20 مترًا، والذي يمكن استخدامه أيضًا كسهل فيضاني لاستيعاب التيار في حال وقوعها.
وجه آخر لخطر الفيضانات هو الخطر على حياة الإنسان على طول مجرى الوادي – يمر وادي الملك بالقرب من العديد من البلدات او عبرها، على سبيل المثال قرية الكعبية طباش حجاجرة وراس علي، وفي حالة حدوث فيضان تزداد شدة تدفقه بشكل كبير، إلى حد الخطر من التواجد بقربه. كما تعبره طرق معبدة وطرق ترابية، مما قد يؤدي إلى محاولات عبور خطيرة أثناء الفيضانات والتدفقات القوية بشكل خاص. خلال فصل الشتاء هذا، كانت هناك العديد من عمليات الإنقاذ في أحداث الفيضانات التي انتهت دون وقوع إصابات، ولكن لسوء الحظ، كان هناك أيضًا حادثان أسفرا عن خسائر في الأرواح البشرية.
بالإضافة إلى إدارة مخاطر الفيضانات، هناك قضايا أخرى يجب معالجتها نتيجة لوقوع أضرار من الفيضانات والجريان السطحي في حوض الوادي. إحداها كثرة النفايات التي تأتي وتنسحب مع تدفق المياه من جميع أنحاء الحوض عبر المناطق المسكونة او المناطق الزراعية. وتأتي هذه النفايات من مناطق مختلفة في الوادي. حيث تتسبب أيضًا بوصول ملوثات كبيرة الى مجرى الوادي – من مصادر زراعية ومرافق الصرف الصحي التي تفيض على ضفافها. وفي هذه الايام يحاول مشروع الاستصلاح واعادة التأهيل ايجاد حلول تقنية فعالة لمنع وصول النفايات المتكتلة إلى الوادي من خلال نجميعها في مناطق مختلفة.
مشكلة أخرى نشأت نتيجة فيضانات المجرى وهي الأضرار التي لحقت في البنية التحتية التي تم إنشاؤها على طول المجرى في السنوات الأخيرة (مثل الطرق الترابية أو الأسوار أو المزروعات الصغيرة). وتزيد أضرار الفيضانات من أهمية التخطيط السليم والتوقيت المناسب لأعمال البنية التحتية في الوادي، على سبيل المثال، للسماح بنمو الغطاء النباتي بعد أعمال الترميم قبل فصل الشتاء. ومع ذلك، فإن طبيعة وموقع الضرر يجعل من الممكن أيضًا تكييف البنية التحتية بحيث تكون أكثر مقاومة للفيضانات المستقبلية. على سبيل المثال، على مر السنين، تطور فهم أفضل للمواد وطريقة وضع مسار المشي على طول وادي الملك بحيث يكون متينًا لسنوات حتى بعد وقوع فيضانات متكررة.
ان وقوع الفيضانات أمر مثير حيث يقوم بأحياء الحياة في محيط الاودية، ولكن أيضًا هناك مخاطر كامنة في الواجهة والعلاقة بينها وبين الإنسان – وضرورة اعادة استصلاح واعادة تأهيل مجرى الوادي بشكل منتظم وذكي مع إدارة هذه الواجهة بشكل مستمر والانتباه للتغيرات المتوقعة بسبب تغير المناخ.
ونختم بعدد من الصور المتفائلة من وادي الملك في فصل الشتاء الاخير مع تمنياتنا بمجيئ امطار بشكل منتظم ومفيد.
الفيضانات المركزية في اسفل الوادي {مارلين} بعد منخفض جوي في شهر كانون الأول 2023 {من جهة اليمين، تصوير شارون بن أري} وشهر شباط 2024 {من جهة اليسار، تصوير : حاتساف يافيه}
مصادر أخرى